على غرار الاتفاق في مدينة الطائف السعودية الذي انهى الصراع بين الأطراف اللبنانية، وأوقف شلال الدماء عام 1989 أرى هذه الأيام بصيص أمل لطائف يولد في الجزائر، ولكن هذه المرة لإنهاء الصراع بين الفرقاء الليبيين، وإيقاف نزيف الدماء المنهمر منذ الانقسام السياسي في ليبيا عام 2014.
الجزائر الدولة الجارة تلعب دور الوسيط منذ عدة أشهر، وتعقد اللقاءات تلو اللقاءات على جميع الأصعدة والطبقات في ليبيا لرعاية وساطة وتسوية سياسية، توقف الحرب وتنهي الانقسام الذي تعيشه البلاد بين ثلاث حكومات وولاءات عسكرية لا تعترف بالحكومات أحيانا، خصوصا بعد ما آلت إليه الأوضاع من أزمة اقتصادية خانقة، واستمرار للانقسام بعد توقيع اتفاق سياسي بين الفرقاء في الصخيرات المغربية، ونتج عنه حكومة لم تحقق نجاحا يذكر!.
وأرجح كمتابع للوضع في بلادي ليبيا نجاح مبادرة الجزائر، وصناعة نموذج يحتذى به يفوق اتفاق الطائف نجاحة لسببين اثنين أولهما عاطفي ( رغم أن السياسية لا تعترف بلغة الحب والكراهية والعواطف) ، وثانيها تحليلي مبنى على استقراء للصراع في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011.
العاطفي:
عاطفيا توقعت نجاح المبادرة الجزائرية بعد أن شاهدت في وسائل الإعلام أطياف عدة بينها أحزاب سياسية في الدولة الشقيقة تبدي استعدادها للرعاية والمشاركة إلى جانب الحكومة الجزائرية في حل الأزمة الليبية.
ولمست ذلك عن قرب عندما تحدثت مع الدكتور ” عبد الرزاق مقري ” رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية أكبر حزب إسلامي في الجزائر- الرجل بدا لي متحمسا لرعاية حوار بين الفرقاء السياسيين في ليبيا، وقال إن الحركة تتمنى أن تكون لبنة في بناء التوافق بين الليبيين، مبينا أن للحركة شبكة علاقات وصداقات جيدة في ليبيا، وأنها تستطيع إنجاح أي حوار بما تملكه من تجارب سابقة في هذا الجانب.
ومما لفت انتباهي أثناء حديثي معه أيضا وهو ما لم أشاهده من قبل خلال متابعتي المتواضعة للعلاقة بين الحركات الإسلامية والسلطة، أن الرجل يتحدث كما تتحدث الحكومة الجزائرية عن حوار بين جميع الأطراف الليبية من جميع الطبقات، فأحسست أنني أتحدث مع دولة كاملة على استعداد إلى حل مشاكلنا وخلافاتنا.
لم يدم حديثي الهاتفي طويلا مع الدكتور ” عبدالرزاق ” الذي نُشر بأحد المواقع الإخبارية الليبية سرعان ما ختمه ببعض الكلمات التي رسمت في خاطري الكثير من المعاني بقوله إن ما دفعهم إلى هذه الدعوة هو الخطر الذي تتعرض له دولة ليبيا التي تعد عمقا استراتيجيا للجزائر وقال: «ما يهدد ليبيا يهدد الجزائر واستقرار الأوضاع في ليبيا سينعكس على الجزائر».
التحليلي:
أما السبب التحليلي الذي جعلني أتوقع نجاح مبادرة الجزائر ، فهي المعطيات والأرضية المشتركة للصراع، والظروف المماثلة للبلدين، ومن نافلة القول الحديث عن التاريخ المشترك بين الجارين ، فالجزائر مرت بحرب كالتي تعيشها ليبيا وخرجت منها، والجزائر يتعايش فيها التيار الإسلامي والليبرالي والعسكر تحت مظلة قانون ودستور، بينما تتصارع المكونات الثلاثة في ليبيا ، والجزائر شكلت بيئة حاضنة منذ عام 2011 لعائلة القذافي، وعدد من رموز نظام، و لم تقاطع تيار ثورة فبراير بكل مكوناتها وتياراتها إسلامية وغير إسلامية، في حين انحازت دول لتيار الثورة في ليبيا، وانحازت دول أخرى للنظام السابق، وللتيار العسكري الذي انتجه الصراع السياسي.
والمراقب للوضع الليبي يخلص إلى أن جزء كبير من الفرقاء على الساحة الليبية لا يتعدى سقف طموحهم السياسي لبناء الدولة، إعادة تدوير للتجارب السابقة، وهذا الجزء فاعل وله تأثير على الأرض، وهو ما سيبرز نجاح الجزائر التي تجمع المختلفين لتوفق بينهم وتفرش لهم طريق السلام إليها بالورود!.