أكدت جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي كشفت العلاقة بين دولة الإمارات والمبعوث الدولي بيرناندو ليون يمكن أن تهدد محادثات السلام برمتها في ليبيا، حيث فضحت المراسلات الأنشطة التي تقوم بها أبوظبي في ليبيا ومحاولاتها التأثير على سير الأحداث على الأرض، وسير المفاوضات في الإطار السياسي.
وأضافت الصحيفة في التقرير الذي كتبه ” دافيد كيركباتريك” كيف أن الإمارات “ساعدت على إذكاء نيران الاقتتال في ليبيا بالرغم من إصرار دبلوماسييها على الزعم بأنهم يدعمون التوصل إلى حل سلمي”، كما تلفت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته موقع “عربي21” إلى أن “المراسلات المسربة تهدد بتقويض شهور من المحادثات في ليبيا بسبب أنها تدمغ الدبلوماسي ليون بالتورط في ما يبدو أنه تعارض مصالح”.
وفيما يلي الترجمة الكاملة والحرفية لتقرير “نيويورك تايمز”:
دافيد كيركباتريك
كانت الإمارات العربية المتحدة تشحن الأسلحة طوال الصيف إلى الفرقاء الذين تنحاز إليهم في ليبيا وذلك في انتهاك صريح للحظر الدولي المفروض على التسليح، بينما كانت في الوقت نفسه تعرض وظيفة براتب سخي جدا على دبلوماسي الأمم المتحدة الذي كان مكلفا بصياغة اتفاق سلام هناك، وذلك بحسب ما تظهره الإيميلات الإماراتية المسربة.
تهدد المراسلات المسربة بتقويض شهور من المحادثات في ليبيا من حيث إنها تدمغ الدبلوماسي بالتورط في ما يبدو أنه تعارض مصالح. كما تفتح الإيميلات نافذة جديدة تطل على الآليات المتناقضة الخفية التي يلجأ إليها اللاعبون الإقليميون مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي ساعدت على إذكاء نيران الاقتتال بالرغم من إصرار دبلوماسييها على أنهم يدعمون التوصل إلى حل سلمي.
في إيميل مؤرخ في الرابع من آب/ أغسطس خاطب به لانا نسيبه سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، قال الدبلوماسي الإمارتي أحمد القاسمي: “الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الإمارات العربية المتحدة انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بليبيا وما تزال تنتهكه.”
وكانت الإيميلات، التي كشف النقاب عنها ههنا للمرة الأولى، قد سلمت لصحيفة نيويورك تايمز من قبل وسيط منتقد للسياسة الخارجية لدولة الإمارات، وهي السياسة التي يراها تنزع إلى “العضلنجية”. ولقد رفض ممثلو الحكومة الإماراتية التعليق على التسريبات.
ما فتئت دولة الإمارات العربية المتحدة تشن حملة ضد الحركات الإسلامية في مختلف أرجاء المنطقة، وكان لها دور رئيس في دعم الانقلاب الذي أطاح برئيس مصر الإسلامي، وتدعم الآن الفصائل المناهضة للإسلاميين في الحرب الأهلية الليبية. وكان من نتائج الاندفاع الإماراتي أن قاد إلى معارك بالوكالة مع الدولة الخليجية المجاورة، دولة قطر، في تنافس محموم على النفوذ. بالمقابل تدعم الدوحة الجماعات المتحالفة مع الإسلاميين في كل من ليبيا ومصر، حيث يقول القطريون إنهم يعارضون العودة إلى نمط الحكم السلطوي القديم.
يقر الدبلوماسيون الإماراتيون صراحة في الإيميلات المسربة بأن حكومتهم كانت تشحن الأسلحة إلى حلفائها الليبيين في انتهاك صارخ للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة – وهي السياسة التي، كما يقولون، تتم بأوامر مباشرة من “مستوى رئاسة الدولة” – ويقرون أيضا بأنهم كانوا ينهجون استراتيجية الهدف منها إخفاء شحنات السلاح عن لجنة الرصد والرقابة التابعة للأمم المتحدة.
ولقد كتب القاسمي عن ذلك قائلا: “لسوف تؤدي الإجابة على الأسئلة والتقيد بالإجراءات المطلوبة بموجب قرار الأمم المتحدة إلى الكشف عن مدى تورطنا في ليبيا. يتوجب علينا السعي إلى توفير غطاء يقلل من الأضرار الناجمة.”
لقد كان معروفا منذ زمن لدى وكالات الاستخبارات الغربية ولدى الدبلوماسيين الغربيين أن الإمارات العربية المتحدة وقطر تزودان حلفاءهما المتنافسين في ليبيا بالأسلحة منذ الانتفاضة التي اندلعت ضد العقيد معمر القذافي في عام 2011، وأن الحرب بالوكالة بين المملكيتين الصغيرتين، الثريتين بالنفط، قد ساعدت في إذكاء لهيب الاقتتال. إلا أن التقارير التي أفادت في الربيع بحدوث تقارب بين الدولتين الخليجيتين المتنافستين فهم منها أن التقارب قد يؤدي أخيرا إلى توقف تسليح الجانبين المتقاتلين، واللذين يدعمان كلاهما محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
ومع ذلك، يفهم من الإيميلات المسربة أن شحنات السلاح التي ترسلها دولة الإمارات العربية المتحدة استمرت على الأقل طوال شهر آب/ أغسطس، وذلك بينما كان الوسيط الأممي بيرناردينو ليون يستكمل إعداد اتفاقية مقترحة لإحلال السلام بين الطرفين بما يمهد لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وفي إيميلات مسربة أخرى، كانت قد نشرت أولا في صحيفة الغارديان وسلمت نسخة منها لصحيفة النيويورك تايمز، تظهر جليا أنه بينما كان السيد ليون يعكف على صياغة مسودة الاتفاقية، كان الإماراتيون بصدد توظيف السيد ليون كمدير عام لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية براتب شهري قدره خمسين ألف دولار، مما يمكن أن يعتبر تعارضا في المصالح. وكان السيد ليون قد تلقى عرضا رسميا في شهر حزيران/ يونيو واستمر بعدها في التفاوض مع الإماراتيين طوال أشهر الصيف بشأن تفاصيل بدل السكن المعروض عليه بمبلغ ستة وتسعين ألف دولار سنويا. وقد كتب السيد ليون مخاطبا أحد كبار المسؤولين الإماراتيين، وهو سلطان الجابر، قائلا له في إيميل مؤرخ في السادس من أيلول/ سبتمبر وحصلت صحيفة النيويورك تايمز على نسخة منه: “سأطير اليوم إلى أبو ظبي لمدة أربع وعشرين ساعة. وغدا سوف أنشغل مع الزملاء في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، وسأكون كالعادة تحت تصرفك فيما لو احتجت إلى أي شيء مني”.
كان مسؤولو الأمم المتحدة على اطلاع باحتمال وجود تعارض في المصالح. ففي إيميل آخر مؤرخ في السابع والعشرين من آب/ أغسطس، ولم يكشف النقاب عنه من قبل، بادر جيفري فيلتمان، نائب الأمين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية والدبلوماسي الأمريكي السابق، بالكتابة إلى الزعماء الإماراتيين طالبا منهم السماح للسيد ليون بالبقاء في مهمته وسيطا لبضعة أسابيع أخرى أملا في التوصل إلى اتفاق يتم التوقيع عليه.
اقترح السيد فيلتمان على الإماراتيين ما يلي: “هل لي أن أطلب من الأمين العام الاتصال بكم لتوجيه الطلب بنفسه”.
إلا أن وظيفة السيد ليون الجديدة لم يتم الإعلان عنها أو الكشف عنها للأطراف الليبية المشاركة في المحادثات حتى هذا الشهر، مما دفع الليبيين المنحازين إلى الفصائل المعارضة للإماراتيين إلى الغضب واتهام السيد ليون بالانحياز والمحاباة، مما يسلط شكوكا جديدة على مقترحه، بينما يستعد خلفه لاستلام مهام الوساطة في المحادثات.
يقول وولفرام لاتشير، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية والمختص في الشأن الليبي: “إنها فضيحة بجلاجل. كان عليه أن يعلم أن قبوله بتلك الوظيفة سوف يلحق جسيم الأضرار بالمفاوضات، أو، حتى لو أن الاتفاقية تمت فعلا التوقيع عليها، كان يمكن أن يؤدي قبوله المنصب إلى إيقاع ضرر جسيم بأثر رجعي بالاتفاق. من الواضح أن الأمر لم يكن يعنيه وأنه لم يكن يأبه بما يمكن أن يتمخض عن ذلك من تداعيات”.
يؤكد السيد ليون أن الوظيفة التي عرضها عليه الإماراتيون لم تكن لتؤثر في دور الوساطة الذي كان يقوم به. وفي حديث مع الصحفيين في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، قال ليون: “قد لا يكون ما يرى سليما ،وقد لا تكون المظاهر صحيحة.” إلا أنه أكد أنه اتبع القواعد المعمول بها في الأمم المتحدة، التي تطلب تعليماتها من الوسطاء أن ينقذوا أنفسهم فحسب “إذا كانوا يشعرون بعدم قدرتهم على الحفاظ على مقاربة متوازنة ومحايدة” كما قال.
إلا أن الإيميلات المسربة حول عمق تورط الإمارات العربية المتحدة في القتال الدائر، بما في ذلك الاستمرار في تزويد أحد الفرقاء بالسلاح في الوقت نفسه الذي تتفاوض فيه مع السيد ليون على وظيفة منحته إياها، تكرس الانطباع بوجود تعارض في المصالح.
وثمة إيميلات مسربة أخرى يجري فيها نقاش رد فعل واشنطن على شحنات الأسلحة، مع إشارة خفية إلى تشكل صورة أعم عن تجارة السلاح التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ويشير إيميل داخلي مؤرخ في الـ30 من أيلول/ سبتمبر إلى ملاحظات دبلوماسية رسمية سلمها إيثان إيه غولدريتش، نائب رئيس هيئة السفارة الأمريكية في أبو ظبي. يقول الإيميل إن المسؤولين الأمريكان يشكون منذ شباط/ فبراير الماضي على الأقل من أن الإماراتيين ينتهكون الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكم بالصواريخ، وذلك من خلال تزويد مصر بطائرات مراقبة من غير طيار من نوع يونايتيد 40، والتي تصنعها شركة أدكوم التي تتخذ من أبو ظبي مقرا لها.
وجاء في الإيميل أن مثل هذا النقل “يمكن أن يدفع باتجاه إعادة نظر إجبارية في نظام العقوبات المنصوص عليه في قانون الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن أن يؤدي بالتالي إلى فرض العقوبات على كيانات تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة”. وأضاف أن القوانين ذاتها تتطلب أيضا من وزارة الخارجية الأمريكية الكشف عما لديها من معلومات أمام الكونغرس.
وحذر الأمريكيون أيضا من أن الشركة الإماراتية نفسها كانت تبيع طائرات بلا طيار لبلدان أخرى خارج نطاق اتفاقيات التحكم بالصواريخ “بما في ذلك روسيا”، وهو الأمر الذي يمكن أن يحفز على فرض عقوبات ويهدد بوقف مبيعات التكنولوجيا الأمريكية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بحسب ما جاء في ملخص مرفق بالإيميلات.
وورد في مذكرة أخرى منفصلة الاحتجاج على أن إحدى الشركات التي تتخذ من الإمارات مقرا لها، ومعروفة باسم “سلع موريسون” كانت تنتهك الحصار المفروض على بيع السلاح إلى ليبيا، ويحتمل أنها كانت تقوم بذلك الانتهاك بالتعاون مع شركة سعودية اسمها الخدمات العسكرية الدولية السعودية. وجاء في الملخص: “تحث الولايات المتحدة الأمريكية دولة الإمارات العربية المتحدة على التحقيق في هذا التطور واتخاذ إجراءات مباشرة لوقف كل عمليات نقل السلاح”.
ليس معروفا كيف كان رد الإماراتيين على ذلك. وهناك مراسلات مسربة أخرى تظهر أن بعض الدبلوماسيين الإماراتيين على الأقل حملوا على محمل الجد الشكاوى الأمريكية من أن شركة إماراتية أخرى، هي المطلق للتكنولوجيا أقدمت هي الأخرى على انتهاك نظام العقوبات الدولي وذلك من خلال شراء ما قيمته 100 مليون دولار من الأسلحة من كوريا الشمالية عبر شركة تجارية اسمها مؤسسة تطوير المناجم التجارية الكورية، أو كوميد.
وتشتمل الإيميلات على وثيقة رسمية تعرب عن الاحتجاج على هذا التعامل التجاري، وكانت هذه الوثيقة قد سلمت إلى سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن من قبل دبلوماسيين أمريكيين في وزارة الخارجية الأمريكية. تشير الوثيقة التي ظهر عليها ختم “سري للغاية” أن الأسلحة المذكورة والتي دار بشأنها النقاش جزءا من الصفقة مع كوريا الشمالية اشتملت على “مدافع رشاشة وبنادق وصواريخ”.
وكان وسيط إماراتي “يسعى للحصول على سفينة شحن / أو طائرة مستأجرة لنقل البضائع في المستقبل القريب جدا”، كما ورد في الوثيقة، والتي جاء فيها أيضا أن المطلق والوسيط “لديهما تاريخ طويل من التعامل مع شركات تجارة السلاح في كوريا الشمالية بما في ذلك شركة كوميد”.
وفي رسالة إيميل مؤرخة في الثالث من حزيران/ يونيو، كتب يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن، أنه استدعي إلى وزارة الخارجية الأمريكية “تارة أخرى” بخصوص صفقات السلاح مع كوريا الشمالية. وجاء في الرسالة الموجهة إلى الفريق فراس المزروعي، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والعسكرية: “أن من نافلة القول إن أي تعامل مع كوريا الشمالية يؤخذ على محمل الجد، وبشكل جاد جدا، ويمكن أن يكون لهذا تداعيات سلبية كبيرة. أقترح أن تنظروا في المسألة على عجل”.